نشأت الرياض على أنقاض مدينة «حجر اليمامة» باعتبارها قاعدة اليمامة ونجد قبل الإسلام وكانت مدينة ذات شأن وأهلها بنو حنيفة من بكر بن وائل هامة العرب وفخرهم وتشير المصادر التاريخية إلى أن قبيلة بني حنيفة انتقلت إلى اليمامة مطلع القرن الخامس الميلادي حينما سار عبيد بن ثعلبة بعشيرته قاصداً اليمامة حتى وصل إلى موقع حجر حيث وجدها بيوتاً قائمة ولكنها مهجورة فاتخذها سكناً له واحتجرها له ولعشيرته ومن هنا أتت التسمية وسيطرو بعد ذلك على كامل اليمامة وسمي وادي حنيفة باسمهم وصفها الأصفهاني بقوله حجر سرة اليمامة ومنزل السلطان والجماعة وجل أهلها بنو عبيد بن ثعلبة من حنيفة يقال إنه احتجرها له ولذريته وسميت حجراً وبعد أن ظهر الإسلام دخل بنو حنيفة في الإسلام كغيرهم من قبائل العرب حيث كان ملكهم ثمامة بن أثال الحنفي رضي الله عنه صاحب القصة المشهورة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي:
بَعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ برَجُلٍ مِن بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ له: ثُمَامَةُ بنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بسَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِندِي خَيْرٌ يا مُحَمَّدُ؛ إنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وإنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، وإنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ منه ما شِئْتَ، فَتُرِكَ حتَّى كانَ الغَدُ، ثُمَّ قَالَ له: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: ما قُلتُ لَكَ: إنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حتَّى كانَ بَعْدَ الغَدِ، فَقَالَ: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِندِي ما قُلتُ لَكَ، فَقَالَ: أطْلِقُوا ثُمَامَةَ. فَانْطَلَقَ إلى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، يا مُحَمَّدُ، واللَّهِ ما كانَ علَى الأرْضِ وجْهٌ أبْغَضَ إلَيَّ مِن وجْهِكَ، فقَدْ أصْبَحَ وجْهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن دِينٍ أبْغَضَ إلَيَّ مِن دِينِكَ، فأصْبَحَ دِينُكَ أحَبَّ الدِّينِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن بَلَدٍ أبْغَضُ إلَيَّ مِن بَلَدِكَ، فأصْبَحَ بَلَدُكَ أحَبَّ البِلَادِ إلَيَّ، وإنَّ خَيْلَكَ أخَذَتْنِي وأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَمَرَهُ أنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ له قَائِلٌ: صَبَوْتَ! قَالَ: لَا، ولَكِنْ أسْلَمْتُ مع مُحَمَّدٍ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَا واللَّهِ، لا يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
الراوي: أبو هريرة | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4372 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح] وهذا يدل أن حجر اليمامة مدينة قوية وأرضها زراعية خصبة، وكان لهم أي بنو حنيفة دور كبير في حياة النبي محمد عليه الصلاة والسلام وبعد وفاته وبعد انتقال مقر الخلافة من المدينة إلى دمشق ثم بغداد.
الصراعات والأحداث السياسية
انقسمت مدينة حجر اليمامة إلى عدة بلدات بسبب الصراعات والأحداث السياسة ومن تلك البلدات بلدة معكال ومقرن والعود والبنية وكلها كانت قديماً من محلات حجر المتجاورات ومنذ ذلك العصر بدأ يختفي اسم حجر وتبرز أسماء تلك القرى ونتيجة لهذا الانقسام اشتعلت الفتن والحروب بين تلك البلدات يجسدها قول الشاعر
يا ما حلا والشمس بادي شعقها
ضرب الهنادي بين مقرن ومعكال
ومن نتيجة تلك الحروب أصبح لمعكال أهمية ومكانة كبيرة في المنطقة وحلت محل مدينة حجر اليمامة حيث ذكر المؤرخ العصامي في كتابه سمط النجوم العوالي في تاريخه ونقله عنه المؤرخ النجدي ابن بشر أنه في سنة 986 هجري سار الشريف حسن ابن أبي نمي إلى نجد وحاصر معكال البلد المعروف في الرياض ومعه من الجنود خمسون ألف وطال مقامه فيها مما يدل أن معكال في ذلك الوقت أصبحت مدينة حصينة
ثم أنه قتل بعض رجالها وأسر أناس من رؤساء معكال وأقاموا في حبسه سنه ثم أطلقهم على أن يعطونه كل سنة ما يرضيه وأمر في البلدة أي معكال رجلاً يدعى محمد بن عثمان بن فضل يصفه العصامي قائلاً حيث لم يبقَ من بيت سلطنتهم إلا هذا ويسجل أحد شعراء مكة محمد بن علي بن إسماعيل الطبري (932-1110هجري) هذه الوقعة ووقعة أخرى في نواحي الخرج بقصيدة يقول فيها ويحسب الناس من أهل البديع ومن /أهل السلميه الغبرا ومعكانا
أو آل خالد من أهدى ضلالتهم / نفوسهم فغدو هديا وقربانا
أورد القصيدة كامله ابن فتح الله الحلبي ثم المكي في كتابه فوائد الارتحال ونتائج السفر في ترجمة الشاعر المذكور.
وهذا الخبر يدل أن بلدة معكال أصبحت مدينة قوية في المنطقة ومهيمنة على البلدات المجاورة في الرياض بعد ذلك يبدو أن دورها بدأ يضعف لأسباب مختلفة منها السياسي والاقتصادي وغيرها من الأحداث التاريخية ومن ذلك قدوم مانع المريدي جد الأسرة المالكة الكريمة من شرق الجزيرة العربية إلى نجد عام 850 هجري ونزوله على ابن عمه ابن درع حاكم بلدة الجزعة الذي أقطعه جهة الدرعية ليسكن فيها وتأسيسه مدينة الدرعية على مقربه من مقرن ومعكال التي أصبحت الرياض فيما بعد ونافست الدرعية على المنطقة طوال المدة التي سبقت قيام الأمير محمد بن سعود بتوحيد الدرعية تحت قيادته وحتى بعد ذلك حتى تم للإمام عبدالعزيز بن محمد دخول الرياض عام 1187 هجري الموافق 1773 ميلادي وأصبحت تابعه للدولة السعودية الأولى ويبدو أن ظهور مدينة الدرعية جوار مقرن ومعكال ساهم في توحيدهما وأصبحا مدينة الرياض مثلما سيأتي لاحقا ذكر خالد بن أحمد السليمان رحمه الله: أن معكال بلدة قديمة عامرة منذ أكثر من سبعة قرون وكانت تشكل مع بلدة مقرن البلدة المجاورة لها الرياض القديمة حتى بدأ يظهر اسم «الرياض» في القرن الحادي عشر والثاني عشر، وصارت مقرن هي قاعدة الرياض وأما البلدات الأخرى مثل: معكال وجبره والعود وصياح أصبحت عبارة عن نخيل وبساتين محيطه بالرياض.
«معكال» حي من أحياء مدينة الرياض
المدينة التي صارت بعد ذلك عاصمة الدولة السعودية الثانية بقيادة الأمام تركي ابن عبدالله -رحمه الله تعالى- ثم عاصمة المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله تعالى- وانحصر اسم معكال إلى حي من أحياء مدينة الرياض العامرة. يقول الأديب عبدالله بن خميس -رحمه الله- في كتابه معجم اليمامة: أن معكال حي قديم من أحياء مدينة الرياض وكان له شأن. وذكر الشيخ حمد الجاسر»رحمه الله» بأنها أحد محلات مدينة حجر اليمامة، بعد ذلك ونتيجة لتوسع مدينة الرياض بعد تحقق الأمن وبداية الرخاء الاقتصادي في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله تعالى- تحولت تلك النخيل والبساتين في معكال إلى بيوت ومساكن للناس ومعكال اليوم تقع جنوب المحكمة الكبرى بالرياض حتى ظهرة منفوحه جنوباً، وشرقا البطحاء ومحلة الوسيطى وغرباً طريق الملك فهد تقريباً ومتنزه سلام.. الآن أصبحت عبارة عن حي من أحياء مدينة الرياض وسط المدينة من ضمن أحياء أخرى مثل الدوبية وسلام وجبرة وغيرهما واشتهرت معكال بالمزارع والنخيل وأشجار الرمان وعرائش العنب والماء العذب إلى قبل ثمانين سنه تقريباً حتى كان الناظر عند خروجه من الرياض عبر بوابة دخنة يرى على امتداد نظره جنوباً أشجار النخيل ممتدة حتى ظهرت منفوحة ووادي حنيفة ووادي الوتر (البطحاء) وتحتها أشجار الرمان والعنب وعرفت الكثير من الآبار والأملاك القديمة مثل أم العصافير بستان قديم يقع جنوب شرق منتزه سلام الآن كان يوجد فيه آثار أبراج قديمة حيث يذكر الناس أن هذا الملك وما حوله من خرائب كان قديماً لمجاعة بن مرارة الحنفي الذي أقطعه الرسول عليه الصلاة والسلام أماكن كثيرة في اليمامة وسمي أم العصافير لكثرة تواجد العصافير وأعشاشها فيه وكان ملكاً قديماً لعائلتين حنييفيتين هما آل نوح وآل دخيل ثم استملكه الأمير عبدالله بن عبدالرحمن «رحمه الله» وضمه لمزرعته سلام ومن الآثار المهمة في معكال والتي كانت إلى الماضي القريب موقع مهم جنوب غرب معكال وجنوب متنزه سلام الآن يسمى المبرز كان مكان تجمع حجاج الرياض وما حولها من راكبي الجمال للانطلاق في حملة واحدة نحو مكة المكرمة وذلك الى عام 1358 هجري تقريبا حتى انتشرت السيارات وعم الأمن في العهد السعودي الزاهر وتيسرت الطرق والسبل إلى مكة المكرمة فاستغنى الناس عن الجمال.
أجمل عواصم العالم
ومن أبرز النخيل والبساتين في معكال والتي عرفت وكانت مزدهرة حتى عهد قريب ولازال بعضها معروفاً حتى الآن
نخل سلام للأمير عبدالله بن عبد الرحمن، ونخل الطويلعة للأمير بندر بن محمد، ونخل ال جلوي، ونخل ال نوح ونخل آل عساكر ونخل ال دخيل ونخل آل سلمة ونخل آل الشيخ ونخل آل اسماعيل ونخل آل قريع ونخل آل مطيويع ونخل آل رشيد ونخل ال نفيسه ونخل آل حبجر ونخل آل قباع ونخل آل سنبل ونخل آل عصفور ونخل آل بكر ونخل آل عكيل ونخل آل فريان ونخل آل عمران ونخل آل غنيم ونخل القضيبي ونخل آل جديد، ونخل آل بريكان ونخل الرويتع ونخل آل عصفور ونخل الشعيبي ونخل آل هداب ونخل آل منيف ونخل آل كنعان ونخل آل حميد ونخل آل مضحي ونخل الفوزاني ونخل آل جبر ونخل آل ريس وغيرهم من أهل معكال وبعد هدم حامي (سور) الرياض وفي أواخر عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-
بدأت تلك النخيل تتحول إلى بيوت ومساكن نتيجة توسع مدينة الرياض وشق الشوارع لحركة السيارات وأصبحت الرياض أحد أحياء مدينة الرياض الكبيرة والتي تضاهي أجمل عواصم العالم بفضل الله ثم جهود الملك سلمان حفظه الله تعالى والذي كان المخطط لها منذ نشأتها الحديثة حتى الآن ومستقبلاً بإذن الله.