بين تقرير اقتصادي حديث أن قطاع المدفوعات في المملكة العربية السعودية أظهر مستوى عالياً من المرونة رغم التحديات التي شهدها العالم مثل جائحة كوفيد – 19 والتقلبات الاقتصادية، ونما إجمالي إيرادات قطاع المدفوعات في السعودية بين عامي 2018 و2022 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 7.7 %، ليصل إلى 12.8 مليار دولار بحلول نهاية عام 2022، وسجل قطاع المدفوعات العالمي معدل نمو سنوي بواقع 8.3 % ليصل إلى 1.6 تريليون دولار بحلول نهاية عام 2022. ووفقاً للتقرير الجديد، فإن علامات التباطؤ في نمو قطاع المدفوعات العالمي بدأت تلوح في الأفق.
ويتوقع التحليل المتعمق الذي أجرته “بوسطن كونسلتينج جروب” لقطاع المدفوعات في السعودية أن يرتفع إجمالي نمو الإيرادات في السنوات الخمس المقبلة (2023 إلى 2027) بمعدّل نمو سنوي مركب قدره 3 % ليصل إلى 21.7 مليار دولار، ومن المتوقع أن تنمو إيرادات المدفوعات العالمية بمقدار 2.2 تريليون دولار بحلول عام 2027 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 6.2 %. ويقدم التقرير تحليلاً متعمقاً للسوق، ويستكشف التحديات والفرص أمام المستحوذين والجهات المُصدِرة وغيرهم من الجهات الرئيسية الفاعلة في نظام المدفوعات في السعودية.
وقال محمد خان، مدير مفوّض وشريك في بوسطن كونسلتينج جروب: “تستحوذ السعودية على مكانة هامة للشركات المزودة لخدمات وحلول المتاجر والجهات المصدرة والبنوك ومزودي خدمات البنية التحتية للمدفوعات، وبينما سجل قطاع المدفوعات في المملكة معدل نمو سنوي مركب قدره 7.7 % خلال السنوات الخمس الماضية، فإن التركيز يتحول الآن نحو النمو المستدام، وتشير التوقعات إلى إمكانية تحقيق قطاع المدفوعات في السعودية معدل نمو سنوي مركب أكثر اعتدالاً ولكنه مستقر بنسبة 3.0 % بحلول نهاية العام 2027، مصحوباً بنمو في إيرادات المدفوعات بنسبة 16 %. ويدعم التوجه المتزايد نحو اعتماد التقنيات المتقدمة في السعودية مثل أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي هذه التوقعات، حيث يتم دمج هذه التقنيات بسلاسة في الإجراءات التنظيمية، ما يمهد الطريق لتعزيز تجارب العملاء وتقديم المزيد من الحلول المخصصة، وهو ما يساهم في نهاية المطاف في تعزيز نمو الإيرادات”.
التحول من التعاملات النقدية
ويُعزى التطور الملحوظ في قطاع المدفوعات السعودية إلى مجموعة من العوامل، منها التحول من التعاملات النقدية إلى التعاملات غير النقدية، ومن المتوقع أن تنمو تعاملات الدفع في السعودية خلال الفترة بين 2023 و2027، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 13.1 %. ويحفز هذا النمو التحول الذي تشهده المملكة من المعاملات النقدية إلى المعاملات الرقمية والمدفوع بالابتكارات التقنية في أنظمة الدفع إلى جانب المبادرات الحكومية. إضافةً إلى ذلك، من المتوقع أن يؤدي النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد إلى جانب توجه المستهلكين نحو تبني المدفوعات الرقمية إلى تسريع وتيرة النمو في معاملات الدفع.
ويشهد قطاع المدفوعات السعودية العديد من التحولات بدءاً من التقدم التقني ووصولاً إلى دخول شركات جديدة إلى السوق. ويبلغ حالياً عدد شركات التقنيات المالية التي لديها حضور فعلي في قطاع المدفوعات أكثر من 5000 شركة على مستوى العالم، وتستحوذ مجتمعة على حصة جيدة من إيرادات القطاع. وفي ظل هذا السيناريو المتطور، يجب على الشركات التي تتخذ من السعودية مقراً لها أن تضع استراتيجيات فعّالة للحفاظ على قدرتها التنافسية.
وتسعى السعودية إلى البقاء في طليعة التحول العالمي في مجال المدفوعات، وتمكنت المملكة من تحقيق خطوات ملحوظة في مسار استكشاف العملات الرقمية، وتواصل الجهات التنظيمية في المملكة إجراء تحليلات متعمقة في هذا المجال. ويتم التعاون في هذه المبادرات بالشراكة مع المؤسسات المحلية في قطاع الخدمات المصرفية وشركات التقنيات المالية، ما يعكس الاتجاه الدولي الأوسع للبنوك المركزية العالمية التي تواصل استكشاف جدوى اعتماد العملات الرقمية .
ويسلّط تقرير بوسطن كونسلتيج جروب الضوء على أربعة مجالات محورية تشكل الاتجاه الاستراتيجي لقطاع المدفوعات في السعودية، ومن أبرزها المرونة التشغيلية، حيث يعد ضمان مستوى عالٍ من الأداء التشغيلي أمراً بالغ الأهمية. وبينما تظهر الاتجاهات العالمية نتائج متباينة، يجب على الشركات والجهات المنخرطة في قطاع المدفوعات السعودية التركيز على تعزيز المرونة التشغيلية وتحسين كفاءة التكلفة باعتبارهما أولويتين استراتيجيتين، ولن يسهم هذا النهج في تعزيز النتائج التشغيلية فحسب بل في مواءمة الاستراتيجيات التجارية والمالية لتعزيز عوائد المساهمين.
كما توفر أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي إمكانات وقدرات على إحداث تحولات إيجابية في قطاع المدفوعات، وقد بدأت الشركات والجهات التي تبنت هذه التقنيات والأدوات في وقت مبكر في السعودية بالفعل في جني فوائدها، ومن خلال تحديد حالات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي عالية التأثير والاستفادة منها، يمكن للشركات تحقيق مكاسب كبيرة على مستوى الإنتاجية، ويجب أن تركز هذه الشركات رؤاها طويلة المدى على دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر العمليات التنظيمية، مع التركيز على نقاط الاتصال الرئيسية مع العملاء.
ويتطلب الوضع التنظيمي في السعودية من الشركات العمل على إجراء تقييمات شاملة للمخاطر والامتثال، ومعالجة أي ثغرات على نحو استباقي، وسيضمن تطوير نموذج تشغيلي فعّال توفير مستوى جيد من المرونة على المدى الطويل وتعزيز معايير إدارة المخاطر.
كما تعكس ديناميكيات الاستثمار بقطاع التقنيات المالية في السعودية الاتجاهات العالمية، ومع التحول في التركيز من الصفقات واسعة النطاق إلى عمليات الاستحواذ التي تركز على المهارات، يجب على الشركات إعادة النظر في استراتيجيات الشراكات الخاصة بها، وسيمكنها هذا النهج من تحديد فرص عمليات الاندماج والاستحواذ الحالية والاستفادة منها، ما يضمن تحقيق المزيد من النمو والنجاح على المدى الطويل.