خالد رمضان
كان لمؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، متعه للاستماع إلى آراء نخبة منتقاه من رؤساء كبرى البنوك العالمية، وأهم المدراء التنفيذيين حول العالم، ولا أعتقد أن تصريحات كبار المسؤولين وأوراق العمل التي نوقشت على مدى 180 جلسة، و30 ورشة عمل و4 قمم مصغرة، ستمر مرور الكرام، فهذا النوع الراقي من العصف الذهني سيكون حجر الزاوية في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي خلال العقد الجاري على أقل تقدير.توقفت مراراً عند توقعات وزير المالية محمد الجدعان والمتعلقة بالآفاق الإيجابية لدول الخليج خلال السنوات الست المقبلة، والواقع أن الوزير محق تماماً فيما ذهب إليه، وعلى المنطقة العربية أن تستبشر خيراً بالنجاح الخليجي، فالسعودية، على سبيل المثال، وهي أكبر اقتصاد عربي، تحلق عند أعلى وتيرة نمو منذ عقدين، وبواقع 7.6 % في 2022، بفعل الإصلاحات، وقوة الأوضاع المالية، وتعزيز بيئة الاستثمار، وتوفير المزيد من فرص العمل، وهذه النظرة الإيجابية للنمو السعودي تنسحب دون شك على باقي دول الخليج التي استفادت من ارتفاع أسعار النفط.
يسلط اجتماع هذه الكوكبة المهمة في الرياض الضوء على النفوذ العالمي المتزايد للمملكة، خصوصاً بعد انتقال العديد من المكاتب الإقليمية للشركات العالمية إلى العاصمة، وهذا الأمر يبشر جيرانها الخليجيين أولاً بالخير، فهم أكبر المستفيدين من النمو السعودي، وقد بذلت السعودية جهودًا كبيرة منذ قمة العلا العام الماضي لإعادة تنظيم الرؤى الاقتصادية لدول الخليج من أجل تحقيق الاستفادة المشتركة، وتعظيم استراتيجية تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، ولهذا، أطلقت المملكة مؤخراً خطة متكاملة للصناعة الوطنية تغطي 12 قطاعاً، بأكثر من 800 فرصة استثمارية وبقيمة تريليون ريال (226 مليار دولار).في الوقت نفسه، دشنت المملكة مبادرة مرنة لسلاسل الإمدادات العالمية، والتي ستجعل منها حلقة وصل حيوية ومكان مفضل للشركات العالمية، ولا شك أن مثل هذه الأفكار النوعية ستخدم المنطقة العربية بأكملها، وستنعش حركة التجارة البينية خلال العقود المقبلة، حيث تشير أحدث الأرقام إلى أن التبادلات التجارية بين السعودية ودول الخليج خلال النصف الأول قفزت 11 ٪، وبزيادة 18.19 مليار ريال (4.84 مليارات دولار) ، لتصل قيمة التبادلات خلال ستة أشهر فقط إلى 71.59 مليار ريال (19 مليار دولار).بكل تأكيد، فإن هذا النهج الاقتصادي الذي يعطي الأولوية للاستقرار الإقليمي، سيتعدى نفعه إلى بقية الدول العربية والشرق الأوسط، من خلال إنعاش الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، والأهم، أن الأرقام الإيجابية للاقتصاد السعودي تنعش الآمال في إمكانية تحقيق معظم مستهدفات رؤية 2030، والتي بقى على إقفالها نحو سبع سنوات، والحقيقة، أن المملكة تريد الاعتماد على نفسها في وجه المخاطر، والأزمات المستمرة، والدليل أن قرارات «أوبك+» الأخيرة كانت اقتصادية بحتة، ولم تلتفت للغضب الأميركي، وبذلك تجني السعودية مكاسبها من خلال إعادة تموضعها الاقتصادي إقليمياً ودولياً.