مصطفى المهدي
على الرغم من أنك تراها حديدية وصلبة، إلا أنها فى عين كل ذي رؤية تمتاز بالمرونة والرشاقة ، فهى أنيقة لامعة وناقلة بامتياز لكل مهم ومفيد في حياتنا اليومية. فعليها يسافر الركاب لوجهاتهم، وينقل البريد والبضائع والمواد الخام للمصانع والأسواق، حقاً إنها من أهم عناصر البنى التحتية، التي أسهمت في التقدم وربط المدن والقرى بمراكز الأعمال والصناعة.
ليس المجال هنا للحديث التاريخي عن صناعة السكك الحديدية، بل الفرصة تتجدد لسبر غور صناعة بعقول وقلوب وأيد سعودية ستغير التاريخ الذي نعيشه من خلال مشاريع منظومة النقل العملاقة، التي نراها واقعا في وطننا اليوم.
متابع حركة التاريخ المحلي لا يمكن أن يغفل عن الدور، الذي أدته السكة الحديدية، التي تربط المنطقة الشرقية بالعاصمة الرياض في تأسيس منظومة النقل عبر السكك الحديدية وتكامله عبر المراحل المختلفة. تاريخ جميل وذكريات متجذرة في يوميات كثير من الناس صغارا وكبارا جيلا بعد جيل -مازالت وستبقى بحول الله- مساهمة مميزة في نقل الركاب والبضائع والمنتجات بواسطة قطار الشرق، الذي يربط الدمام بالعاصمة الرياض مرورا بالأحساء، واليوم أصبح لدينا قطار الشمال، الذي يعد واحدا من أكبر خطوط السكك الحديدية في العالم، والذي يوفر رحلات الركاب بين مدن الرياض والقصيم وحائل وصولا إلى القريات. وكذلك عمليات شحن المواد الخام من منجم حزم الجلاميد للفوسفات ومنجمي الزبيرة والبعثية للبوكسايت إلى مدينة رأس الخير الصناعية ومنها إلى مدينة الجبيل الصناعية وينبع، حيث المنشآت الصناعية لشركاتنا الوطنية ومنتجاتها، التي تجوب أسواق العالم بقيمتها المضافة من خلال موانئنا البحرية العملاقة. واليوم يكتمل جزء مهم من تلك الصورة الكبيرة المتحركة بتدشين ربط قطار الشمال وقطار الشرق في منطقة الجبيل.
وسكة حديدية أخرى بمحاذاة طريق الهجرة يتهادى على قضبانها قطار سريع مريح يغض صوته إجلالًا للتاريخ والجغرافيا وتشدو عرباته بقصائد مَن قطعوا تلك الدروب فتركوا أطيب الأثر. وليس بالبعيد عن قطار درب الحرمين يقف شامخا قطار المشاعر منتظرا مهمته الحولية السامية ليتوشح بالبياض في أيام معدودات من رحلة العمر للملايين من أصقاع العالم.
ولأن السكك الحديدية وجدت لتتمدد والقاطرات تتجدد، فللقصة بقية، وبعون الله تكتمل خطوط الرؤية الحديدية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
قطار التحول والتنمية بحول الله لن تتوقف رحلاته وسيواصل الإنجاز مرتكزا على الاستثمار الأمثل لرأس المال البشري الوطني وتمكينه في إدارة التخطيط التشغيلي لمنظومة النقل بصفة عامة، وقطاع سكك الحديد بصفة خاصة لخدمة الأنشطة الصناعية والتجارية والمجتمعية في المملكة بمستويات عالية من الكفاءة والثقة والتركيز على تأسيس صناعة قطاع مستدام وسلسلة إمداد زاخرة بمحتوى محلي يصنع قيمة مضافة لجميع أصحاب العلاقة.
وهذا الذي نراه اليوم من حراك غير مسبوق في كثير من الهيئات، التي تتولى مسؤولية ربط مناطق المملكة لوجيستيا لخدمة التنمية والتكامل بين القطاعات المنتجة، والأسواق المحلية والدولية.
وكما كانت قوافل التجارة تجوب صحراء الوطن الكبير في دروب رسمتها على رمالها الذهبية، تتواصل صناعة مشهد جديد برؤية حكيمة لتستمر تلك الدروب حاضرة في الذاكرة، وبأثر حديدي لا تدفنه الكثبان ويستمتع بها الركبان لأنها للخير والخيرات ناقلة، ولأفئدة قاصدي الحرمين راعية.
كم يتملكني الفخر عندما أجد الفرصة أن أكون قريبا من أبناء الوطن، الذين يحيلون التحديات فرصا ويخططون وينجزون، وقتها امتلئ شعورا بالثقة والطمأنينة، ليس لصلابة السكك فحسب، وإنما لما أراه من رؤية وطموح لا يمكنك إلا أن تصغي إليه بكل حواسك، إجابات ذكية لأسئلة إستراتيجية، وحب كبير للوطن استقر في قلوب غضة، وعزيمة فتية هدفها الإنجاز بسواعد ذهبية طليت بالفولاذ.
رسالتنا لهم واصلوا رحلتكم المباركة من أجل الوطن وتنميته المستدامة وثقوا في الله، فإن «مَن سار على الدرب وصل».