حسن الصبحي
لم يكن خبر الاندماج المصرفي التاريخي الذي شهدته السعودية الأسبوع الماضي، مفاجئا أو مستغربا، خاصة أن هذا التوجه بات واضحا منذ إطلاق «رؤية 2030» قبل نحو 4 سنوات، التي منحت الفرص والآليات الملائمة لتشكيل كيانات وتحالفات عملاقة في القطاع المصرفي والاستثماري.
فدمج مجموعة سامبا المالية في البنك الأهلي التجاري، من خلال استحواذ الثاني على كامل أسهم الأول، يعد مرحلة استراتيجية هامة في تاريخ القطاع المالي السعودي، خاصة وأن البنكين يحملان تاريخا مختلفا عن بقية البنوك، وقد يتبادر إلى الذهن التساؤل لماذا الاندماج بين هذين البنكين؟
فالبنك الأهلي التجاري يعتبر أول بنك تأسس في السعودية، بمسمى بنك، في العام 1953م بعد أن كانت الشركة الهولندية للتجارة تمارس العمل المصرفي في جدة ومكة المكرمة، بزغت فكرة البنك الأهلي التجاري لدى مؤسس هذا الكيان سالم أحمد بن محفوظ، الذي أسس شركة لهذا الغرض مع صالح وعبدالعزيز كعكي، والذي تمت مباركته بالأمر الملكي الذي أصدره الملك عبدالعزيز آل سعود بتأسيس البنك الأهلي التجاري، وشهد خلال الـ 67 عاما الماضية العديد من التحولات والمتغيرات في حجم ونشاط وملكية هذا البنك، إلى أن وصل إلى هذه المرحلة من القوة الأبرز بين البنوك السعودية.
فيما تمثل مجموعة سامبا المالية «الوريث الشرعي» للبنك السعودي الأمريكي سابقا، الذي تأسس في العام 1980م من خلال تحويل فروع البنك الأمريكي «Citi Bank» التي كانت تتواجد في مدينة جدة منذ العام 1955م، الذي شهد عدة مراحل من الاندماجات حيث اندمج في منتصف التسعينيات الميلادية مع البنك السعودي التجاري المتحد، ومن ثم مع بنك القاهرة السعودي.
ونعود إلى التساؤل الذي قد يتبادر لدى الجميع: لماذا الأهلي وسامبا، فهناك عدة عوامل يتوافق فيها البنكان فهما يسيطران على واحدة من أكبر الحصص في السوق المصرفية السعودية والخليجية، كما أنهما يمتلكان ما يزيد على 550 فرعا، كما أن الشريك الرئيسي في البنكين هو صندوق الاستثمارات العامة، الذي يملك في الأهلي 44.29 في المئة، وفي سامبا 22.91 في المئة، إضافة إلى حصة المؤسسة العامة للتقاعد بنحو 5.3 في المئة في الأول، و11.54 في المئة في الثاني، كما تمتلك المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية 5.18 في المئة في الأهلي و7.09 في المئة في سامبا، الأمر الذي ساعد في اتخاذ قرار وتسريع إجراءات الدمج.
ونعود إلى أهمية هذا الاندماج المصرفي في مسيرة الاقتصاد السعودي نحو «رؤية 2030» التي وضعت من أهدافها تكوين كيانات وتحالفات ذات ملاءة وقوة مالية قادرة على قيادة الدفة الاقتصادية والتمويلية في السنوات المقبلة.
وإذا كان البنك الجديد الذي سيتكون من هذا الاندماج سيحتفظ باسم البنك الأهلي التجاري، كونه البنك الدامج سيصبح الأكبر في السعودية، من حيث رأس المال بنحو 44.78 مليار ريال، ومن حيث الأصول التي تبلغ 837 مليار ريال، ومحفظة قروض تتجاوز قيمتها 468 مليار ريال، فيما تتجاوز حجم الودائع في البنك الجديد أكثر من 568 مليار ريال.
وبالطبع فإن التساؤل الذي سيتبادر إلى ذهن المواطن أو المتابع: ماذا يستفيد العميل من هذا الاندماج؟ بالتأكيد فإن هذا الاندماج يجب أن يعود بالفائدة لعملاء وأصحاب المصالح مع البنكين، فسوف يستفيد المتعامل مع هذا البنك الجديد من التطورات التقنية وتسهيل التعاملات البنكية للعملاء، وتقديم خدمات تمويلية أكثر مرونة وفائدة، معتمدين على الخبرات التي يتمتع بها البنكان، فالأهلي يملك خبرة طويلة في تقديم الخدمات المصرفية المميزة للأفراد وانتشار فروعه في كل أنحاء السعودية، وبعض الدول المجاورة، فيما تتمتع مجموعة سامبا المالية بذراع من الخدمات المصرفية للشركات، يمتد لعشرات السنين، وبالتالي فإن هذا الاندماج سيكون ذا فائدة على العملاء بتطور الخدمات ومرونتها وسهولتها وكثافتها وكفاءتها وزيادة حجم محفظة التمويل والإقراض.
ومن المهم ألا تتوقف مسيرة القطاع المصرفي السعودي عند هذا الاندماج العملاق، بل إنه من المتوقع أن تتبعه عمليات اندماج أخرى، قد تشمل البنك الجديد مع بنوك أخرى في السوق السعودية أو بنوك خارجية، فهناك العديد من البنوك الصغيرة التي تحتاج إلى الاندماج، لكي تكون قادرة على ثبات تواجدها في السوق السعودية، وتكون قادرة تنمية حصصها في الداخل والخارج، فهناك العديد من البنوك التي تحتاج إلى اندماجات تكفل لها الاستمرارية والمنافسة، مثل: بنك الرياض، بنك الجزيرة، البنك العربي الوطني، البنك السعودي للاستثمار، مصرف الإنماء، مصرف الراجحي.
وهنا لا نستبعد أن تشهد السعودية اندماجين آخرين خلال العام 2021 المقبل، وأعتقد أن الجهات الحكومية ستكون داعما قويا ومشجعا لأي خطوات للاندماج، بين الكيانات المصرفية المتواجدة في السوق السعودية، ولكنها لا تكفي أن تشجع هذه الاندماجات، فلعلها تشجع بالتوازي مع ذلك قيام مصارف وبنوك جديدة والسماح لبنوك عالمية، لافتتاح فروع لها في السعودية، بهدف تنوع وتعدد الخيارات للمستفيدين والعملاء، وضخ المزيد من الاستثمارات الأجنبية في السوق السعودية، وتشجيع تمويل المشروعات الإنتاجية والاستثمارية التي تنتج بدورها فرص العمل وتحريك النشاط الاقتصادي في البلاد.